مناجاة الأسحار
قيام الليل ..
زاد الطريق ومدد الروح وجلاء القلوب ..
اللمسات الحانية للقلب المُتعب المكدود ..
حين يضمُّ الليل جناحه الرهيب على الدنيا ، وتعمّ السكينة أرجاء المكان إلا من نبضات قلب واجف
ضعيف ، قد اكتنفته ظلمات الدجى والشك والجزع .. يأتي قيام الليل ليسرج النور الخالد .. ويبدد
بصفائه وقوته كل ما حاك في صدر المؤمن من الحيرة والخوف والتردد .
إنه الصلة العميقة بالله عز وجل ..
إنه جبين يتمرّغ إخباتاً .. وعين تدمع خشيةً .. وقلب يتذكر رغبة ورهبة ، فيشتد عود الإيمان والثقة
في النفس ، حتى تخضّر براعمه صبراً ، وتمتد فروعه سكينة، وتضرب أصوله يقيناً، فترى القلب لما
تتلظى عليه هاجرة الصعاب .. يأوي إلى مصلاه ، يستظل أفياءه ويستقي ماءه .
ركعات السحر تسكب في القلب أنساً وراحة وشفافية، قد لا يجدها العبد في صلاة النهار وذكره،
والله الذي خلق هذ القلب يعلم مداخله وأوتاره، ويعلم ما يتسرب إليه، وما يوقع عليه، وأي الأوقات
يكون أكثر تفتحاً واستعداداً وتهيئاً، وأي الأسباب أكثر تعلقاً، وأشد تأثيراً فيه.
يارجال الليل جِدوا == رب صوت لا يرد
ما يقــوم الليل إلا == من له عزم وجـد
ما أحوج الإنسان لخلوة بربه، ومولاه
يناجيه، ويدعوه، ويتلذذ بالتعبد بين يديه، والتقرب إلى أكنافه، والانطراح إلى جنابه، يستمد منه
العون، يستلهم منه التوفيق، ويسترشد به ملامح الطريق !
ها هو نبي الله صلوات ربي عليه وسلامه يقول: ( أتاني جبريل فقال:
يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به،
واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس ) .وقال
الواصف في وصف أصحابه الكرام رضوان الله عليهم :
« وهل كان أصحاب رسول الله إلا شباباً، شباب مكتهلون في شبابهم، ثقال عن الشر أعينهم،
بطيئة عن الباطل أرجلهم، قد نظر إليهم في جوف الليل، منثنيةً أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مر
أحدهم بآية فيها ذكر الجنة، بكى شوقاً إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير
جهنم في أذنيه، قد وصلوا كلالهم بكلالهم، كلال ليلهم بكلال نهارهم، قد أكلت الأرض جباههم
وأيديهم وركبهم، مصفرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام، مستقلين لذلك
في جنب الله، وهم موفون بعهد الله، منجزون لوعد الله، إذا رأوا سهام العدو فوقت ورماحه قد
أشرعت، وسيوفه قد انتضيت، وأبرقت الكتيبة وأرعدت بصواعق الموت، استهانوا بوعيد الكتيبة،
لوعيد الله، مضى الشاب منهم قدماً حتى تختلف رجلاه عن عنق فرسه، قد اختضبت محاسن
وجهه بالدماء، وعفر جبينه في الثرى، وأسرعت إليه سباع الارض، فكم من عين في منقار طائر
طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كف قد بانت بمعصمها، طالما اعتمد عليها صاحبها في
سجوده في جوف الليل لله، وكم من خد رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد، رحمة الله على
تلك الأبدان، وأدخل أرواحها الجنان »
قال ابن كثير في ترجمة السلطان الزاهد المجاهد، نور الدين زنكي:
« إن جماعة من العبّاد ممن يعتمد على قولهم دخلوا بلاد القدس للزيارة أيام أخذ القدس الفرنج
فسمعوهم يقولون أن القسيم ابن القسيم يعنون نور الدين له مع الله سر، فإنه لم يظفر وينصر
علينا بكثرة جنده وجيشه، وإنما يظفر علينا وينصر بالدعاء وصلاة الليل، فإنه يصلي بالليل ويرفع يده
إلى الله ويدعوه، فإنه يستجيب له ويعطيه سؤله فيظفر علينا، قال: فهذا كلام الكفار في حقه » .
جمع الشجاعة والخشوع لربه == يا حبذا المحراب في المحراب
أين نحن من هؤلاء الأبرار ؟ وهل لواحدٍ منا العذر عند الله في تخلفه عن هذا الركب؟ وأخذه لهذا الزاد ؟
إنه في مقدورنا وفي إمكاننا فلا نحرم أنفسنامنه، ونضيع أعمارنا ونحن نلهث وراء السراب، بل يجب
أن يكون واقع المسلم تطبيقًا لما يدعو إليه، وأن يكون كل مواقفه شهادة له لا عليه .
إن الأمة تعيش مخاضاً، والأرض تمور بأهلها، ونحن مقدمون على ملاحم لا يعلم نتائجها إلا رب
الأرض والسماء، وإن لم نكن بقدرها، فسنغضب الرب، ونستحق لعنة الخلق، وسيطوينا التاريخ، فما
أحوجنا لقيام الليل في هذه المحن !
إنه حق على كل مسلم في هذه الأيام الحرجة، أن يجعل له ورداً يومياً من الدعاء، يستنصر به رب
الأرض والسماء على الصليبيين واليهود والمنافقين ومن والاهم، وأن يسأل الله النصر لإخوانه، في
جوف الليل، لعلّ الله عز وجل يعذره بهذا الفعل القليل، ولعلّ الله أن يستجيب لهذه الآهات الصادقة،
والحسرات المتألمة.
قيام الليل ..
زاد الطريق ومدد الروح وجلاء القلوب ..
اللمسات الحانية للقلب المُتعب المكدود ..
حين يضمُّ الليل جناحه الرهيب على الدنيا ، وتعمّ السكينة أرجاء المكان إلا من نبضات قلب واجف
ضعيف ، قد اكتنفته ظلمات الدجى والشك والجزع .. يأتي قيام الليل ليسرج النور الخالد .. ويبدد
بصفائه وقوته كل ما حاك في صدر المؤمن من الحيرة والخوف والتردد .
إنه الصلة العميقة بالله عز وجل ..
إنه جبين يتمرّغ إخباتاً .. وعين تدمع خشيةً .. وقلب يتذكر رغبة ورهبة ، فيشتد عود الإيمان والثقة
في النفس ، حتى تخضّر براعمه صبراً ، وتمتد فروعه سكينة، وتضرب أصوله يقيناً، فترى القلب لما
تتلظى عليه هاجرة الصعاب .. يأوي إلى مصلاه ، يستظل أفياءه ويستقي ماءه .
ركعات السحر تسكب في القلب أنساً وراحة وشفافية، قد لا يجدها العبد في صلاة النهار وذكره،
والله الذي خلق هذ القلب يعلم مداخله وأوتاره، ويعلم ما يتسرب إليه، وما يوقع عليه، وأي الأوقات
يكون أكثر تفتحاً واستعداداً وتهيئاً، وأي الأسباب أكثر تعلقاً، وأشد تأثيراً فيه.
يارجال الليل جِدوا == رب صوت لا يرد
ما يقــوم الليل إلا == من له عزم وجـد
ما أحوج الإنسان لخلوة بربه، ومولاه
يناجيه، ويدعوه، ويتلذذ بالتعبد بين يديه، والتقرب إلى أكنافه، والانطراح إلى جنابه، يستمد منه
العون، يستلهم منه التوفيق، ويسترشد به ملامح الطريق !
ها هو نبي الله صلوات ربي عليه وسلامه يقول: ( أتاني جبريل فقال:
يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به،
واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس ) .وقال
الواصف في وصف أصحابه الكرام رضوان الله عليهم :
« وهل كان أصحاب رسول الله إلا شباباً، شباب مكتهلون في شبابهم، ثقال عن الشر أعينهم،
بطيئة عن الباطل أرجلهم، قد نظر إليهم في جوف الليل، منثنيةً أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مر
أحدهم بآية فيها ذكر الجنة، بكى شوقاً إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير
جهنم في أذنيه، قد وصلوا كلالهم بكلالهم، كلال ليلهم بكلال نهارهم، قد أكلت الأرض جباههم
وأيديهم وركبهم، مصفرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام، مستقلين لذلك
في جنب الله، وهم موفون بعهد الله، منجزون لوعد الله، إذا رأوا سهام العدو فوقت ورماحه قد
أشرعت، وسيوفه قد انتضيت، وأبرقت الكتيبة وأرعدت بصواعق الموت، استهانوا بوعيد الكتيبة،
لوعيد الله، مضى الشاب منهم قدماً حتى تختلف رجلاه عن عنق فرسه، قد اختضبت محاسن
وجهه بالدماء، وعفر جبينه في الثرى، وأسرعت إليه سباع الارض، فكم من عين في منقار طائر
طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كف قد بانت بمعصمها، طالما اعتمد عليها صاحبها في
سجوده في جوف الليل لله، وكم من خد رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد، رحمة الله على
تلك الأبدان، وأدخل أرواحها الجنان »
قال ابن كثير في ترجمة السلطان الزاهد المجاهد، نور الدين زنكي:
« إن جماعة من العبّاد ممن يعتمد على قولهم دخلوا بلاد القدس للزيارة أيام أخذ القدس الفرنج
فسمعوهم يقولون أن القسيم ابن القسيم يعنون نور الدين له مع الله سر، فإنه لم يظفر وينصر
علينا بكثرة جنده وجيشه، وإنما يظفر علينا وينصر بالدعاء وصلاة الليل، فإنه يصلي بالليل ويرفع يده
إلى الله ويدعوه، فإنه يستجيب له ويعطيه سؤله فيظفر علينا، قال: فهذا كلام الكفار في حقه » .
جمع الشجاعة والخشوع لربه == يا حبذا المحراب في المحراب
أين نحن من هؤلاء الأبرار ؟ وهل لواحدٍ منا العذر عند الله في تخلفه عن هذا الركب؟ وأخذه لهذا الزاد ؟
إنه في مقدورنا وفي إمكاننا فلا نحرم أنفسنامنه، ونضيع أعمارنا ونحن نلهث وراء السراب، بل يجب
أن يكون واقع المسلم تطبيقًا لما يدعو إليه، وأن يكون كل مواقفه شهادة له لا عليه .
إن الأمة تعيش مخاضاً، والأرض تمور بأهلها، ونحن مقدمون على ملاحم لا يعلم نتائجها إلا رب
الأرض والسماء، وإن لم نكن بقدرها، فسنغضب الرب، ونستحق لعنة الخلق، وسيطوينا التاريخ، فما
أحوجنا لقيام الليل في هذه المحن !
إنه حق على كل مسلم في هذه الأيام الحرجة، أن يجعل له ورداً يومياً من الدعاء، يستنصر به رب
الأرض والسماء على الصليبيين واليهود والمنافقين ومن والاهم، وأن يسأل الله النصر لإخوانه، في
جوف الليل، لعلّ الله عز وجل يعذره بهذا الفعل القليل، ولعلّ الله أن يستجيب لهذه الآهات الصادقة،
والحسرات المتألمة.